أمّا تعدية الفعلين «كالوهم ووزنوهم» بدون حرف الجر «إلى» ـ فهو إشارة إلى أنهم فى تلك الحال هم الذين يكيلون ويزنون ، فكأنه قيل : وإذا أعطوهم مكيلا أو موزونا يخسرون ..
قيل إن أهل المدينة ، كانوا قبل الإسلام أخبث الناس كيلا ، فلما جاء الإسلام ، وكشف لهم عن شناعة هذا العمل ، وما يجر على مقترفيه من نقمة الله وعذابه ـ أصبحوا أعدل الناس كيلا ووزنا إلى اليوم ..
والقول بأن هذه السورة هى آخر ما نزل بمكة ، أولى من القول بأنها نزلت فى المدينة .. ذلك أن نزولها بالمدينة ، وفى أول مقدم الرسول إليها ، فيه مواجهة بالخزي والفضيحة ، والتشنيع ، على هؤلاء القوم الكرام ، الذي استجابوا لدين الله ، ورصدوا أنفسهم وأموالهم لنصرته ، وفتحوا مدينتهم ودورهم لإيواء المسلمين الفارّين بدينهم من مشركى قريش .. وإن الذي يتفق وأدب الإسلام وحكمته لعلاج هذا الأمر المنكر ، الذي قيل إنه كان فاشيا فى أهل المدينة ـ الذي يتفق مع أدب الإسلام وحكمته أن يعلن رأيه فى هذا الأمر ، وحكمه على فاعليه ، بعيدا عن موقع المواجهة ، وأن يرمى به فى وجه المشركين قبل أن تنتقل الدعوة من ديارهم ، حتى إذا بلغت سورة المطففين أسماع أهل المدينة ، انخلعوا من هذا المنكر ، واستقبلوا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، وقد طهرت مدينتهم من هذا الخبث.
والخيانة فى الكيل والميزان ، ليست كما يبدو فى ظاهرها ، أمرا عارضا هينا ، لا يمسّ إلا جانبا من حواشى حياة الجماعة ، ولا يؤثر تأثيرا ذا بال فى نظام حياتها .. وكلّا ، فإن هذا الداء ، إذا تفشّى فى مجتمع من المجتمعات ،