من شر ، وإن على الإنسان أن يحذر هذا الوسواس من الناس كما يحذر الشيطان ..
وعبّر عن الشيطان هنا بلفظ الجن ، للدلالة على خفائه ، وعدم إمكان وقوع العين عليه ، وإن كان له لمة يعرفها المؤمن ، ونخسة يشعر بها ، ويعلم أنها من وارداته ..
وعالم الجن ، أو الشيطان ، وإن يكن غير منظور لنا ، فإن علينا الإيمان به ، وأنه يعيش معنا على هذه الأرض ، ويرانا من حيث لا تراه ، كما يقول تعالى عن الشيطان : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (٢٧ : الأعراف) وهذا العالم غير المرئي ، هو عدوّ لنا ، متربص بنا ، أشبه بجراثيم الأمراض التي لا ترى بالعين المجردة ، وإن كان يمكن رؤيتها بأجهزة خاصة ، كما يمكن أن يرى الشيطان لكثير من المؤمنين بعين البصيرة لا الإبصار ، فلنحذر هذا العدو الراصد ، كما نحذر الوباء ، كما يقول سبحانه : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) (٦ : فاطر) وإنه ليس علينا أن نبحث عن كنه الشيطان ، ولا عن حياته الخاصة فى عالمه ، ولا عن طعامه ، شرابه ، ونزاوجه ، وتوالده .. وإنما الذي علينا أن نعلمه ، هو أنه عدوّ غير مرئىّ لنا ، وأنه يتدسس إلى مشاعرنا ، ومدركاتنا ، وعواطفنا ، ويحاول جاهدا أن يؤثر فيها ، وأن يخرج بها عن جادّة الحق والخير ، إلى طريق الغواية والضلال ، فيزين لنا الشر ، فنراه خيرا ، والضلال ، فتراه هدى!
والشيطان ، ليس هو النفس الأمارة بالسوء ، كما يرى ذلك بعض الناس ، وإنما هو كائن له وجوده المستقل خارج العالم الإنسانى ، وله حياته الخاصة ، شأنه فى هذا شأن الكائنات والعوالم غير المرئية التي تعيش معنا ، كالجراثيم ، والهواء ، بل والإنسان الذي يلبس ثوب الوسواس .. فإنه شيطان غير مرئى.