وفى وصف الوسواس «بالخناس» إشارة إلى أنه يخنس ، أي يغيب شخصه ويتلاشى وجوده ، وهو يؤدى مهمته بما يوسوس به ، فلا يرى المستمع له ظلا لشخصه ، ولا يحسّ وجودا لذاته ، وإنما الذي يتمثل له فى تلك الحال هو شخوص ما يوسوس له به ، ووجوه ما يدعو إليه .. فالموسوس ـ لكى يؤدى دوره على أتمّ وجه ـ ينبغى أن يغيب شخصه ، وأن يختفى وجوده ، حتى يخلى المكان لما يوسوس به ، فلا يشغل الموسوس إليه بشىء عنه ، ولا يتمشى فى صدره شىء غير تلك الوسوسة ..
وفى قوله تعالى : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) وفى جعل الوسوسة فى الصدور ، مع أنها تكون فى الآذان ـ إشارة إلى أن هذه الوسوسة إنما تتدسس إلى الصدور ، دون أن تشعر بها الآذان ، وأنها لا تحدث أثرها السيّء إلا إذا أخذت مكانها من الصدور ، أي القلوب ، ووقعت منها موقعا .. على خلاف الآذان ، فإن كثيرا من وساوس السوء تطرقها ، ثم لا تجد لها من أصحابها أذنا صاغية ، فتسقط ميتة ، وتدرج فى أكفان الريح!
وقوله تعالى : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)
«من» هنا بيانية ، تكشف عن وجه الوسواس الخناس ، وهو أنه إما أن يكون إنسانا ، أو شيطانا .. من عالم الإنس ، أو عالم الجن ..
والوسواس الخناس ـ كما قلنا ـ كائن لا يكاد يرى شخصه ، حين يوسوس ، حيث يتدسس إلى من يوسوس إليه خفية ، ويدخل عليه من حيث لا يشعر .. ولهذا جمع الله سبحانه وتعالى بين الوسواس من عالم الإنس ، والوسواس من عالم الجن .. فالإنسان الذي يوسوس للناس بالسوء ، ويغريهم به. هو شيطان ، فى خفاء شخصه ، وفى عداوته للإنسان ، وفيما يحمل إليه