الولد التي بزغت فيها شمس الهدى ، على حين أنه قد تمضى مئات وألوف من الليالى عقيما لا تلد شيئا ينتفع به ، ولا تطلع على الناس ببارقة من خير يتلقونه منها : ..
إن شأن هذه الليلة فى الليالى ، شأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى الإنسانية ..
إنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ واحد الإنسانية ، ومجدها وشرفها ، وهى واحدة ليالى الزمن ، ومجده ، وشرفه .. فكان التقاؤها بالنبي على رأس الأربعين من عمره ـ وقد توجه ربه بتاج النبوة ـ كان ، التقاء جمع بين الزمن مختصرا فى ليلة ، وبين الإنسانية مختصرة فى إنسان ، هو رسول الله .. وكان ذلك قدرا مقدورا من الله العزيز الحكيم.
وقوله تعالى :
(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي يتنزل فيها جبريل عليهالسلام ، الذي هو مختص بتبليغ الوحى ، والاتصال بالنبيّ .. أما الملائكة الذين يحفون به ، فهم وفد الله معه لحمل هذه الرحمة إلى رسول الله ، وإلى عباد الله .. وهم إنما يتنزلون بأمر الله كما يقول سبحانه : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) (٦٤ : مريم) فجبريل لم يكن ينزل وحده بالوحى ، وإنما كان ينزل فى كوكبة عظيمة من الملائكة تشريفا وتكريما ، لما يحمل إلى رسول الله من آيات الله ..
يقول الأستاذ الإمام محمد عبده :
«وإنما عبر بالمضارع فى قوله تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) وقوله : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ـ مع أن المعنى ماض ، لأن الحديث عن مبدإ نزول الوحى ـ لوجهين :