وهكذا يذهب الناس ، كأجساد ، وتبقى غراس عقولهم ، وثمار أفكارهم.
وقوله تعالى :
(كَلَّا. إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى).
هو رد على سؤال وارد على قوله تعالى : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) ..
ومع أن هذه الآية وما بعدها ، قد نزلت بعد خمس الآيات التي افتتحت بها السورة بزمن ممتد ، إلا أن المناسبة جامعة بينها وبين ما قبلها ، وهذا هو السر فى سردها فى سياقها .. فقد قلنا : إن قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى ، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) ـ هو رد على سؤال وارد على قوله تعالى : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) .. والسؤال هو : هل أدّى الإنسان حق هذه النعمة التي أنعمها الله عليه؟ وهل كان له من علمه هذا الذي تعلمه ، نفع له ، وللناس معه؟ والجواب على هذا : «كلّا» .. فإن هذا العلم الذي فتح على الناس وجوه المنافع ، وملأ أيديهم من ثمرات الحياة ، بمامكن لهم به من الأرض ، وما سخر لهم من قوى الطبيعة ـ هذا العلم ، قد فتنهم سلطانه ، وأغرى بعضهم ببعض ، فاتخذوا منه سلاحا للبغى والعدوان ، والتسلط والقهر .. وبهذا طغى الإنسان ، وتجبر وظلم ، حين رأى نفسه بمنقطع عن الناس ، مستغنيا عنهم بجاهه وسلطانه ..
وهذا مما لا يعيب العلم ، ولا ينقص من قدره .. فإنه وإن يكن استحدث به الإنسان كثيرا من أدوات الإهلاك والتدمير ، فلقد استنبط منه ما لا يحصى من النعم الجليلة التي كشفت للإنسان عن فضل الله وإحسانه على الناس ، كما أقام من آيات الله شواهد ناطقة تشهد بجلاله ، وعظمته ، وحكمته ، وتضع الناس وجها لوجه أمام أسرار هذا الكون ، وما تنطوى عليه تلك الأسرار من سعة علم الله ، وعظمة جلاله وقدرته ..
وفرق كبير بين الإنسان البدائى ، وبين رجل العلم فى العصر الحديث ، فى