خلق الإنسان ، هذا الخلق السوىّ «من علق» أي من دم لزج ، متجمد.
فالذى خلق الإنسان من هذا العلق ، وسوّاه على هذا الخلق ، لا يقف به عند هذا الحد ، بل هو سبحانه ، بالغ به منازل الكمال ، بما يفتح له من أبواب العلم والمعرفة ..
وقوله تعالى : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) أي خذ ما أعطاك ربك من علم ، وما دعاك إليه من معرفة ، فإن ربك كريم واسع العطاء ، لا ينفد عطاؤه.
فقوله تعالى : (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) ـ جملة خبرية ، تقع موقع الحال من فاعل «اقرأ» وهو النبي صلىاللهعليهوسلم ، أي اقرأ مستيقنا أن ربك هو الأكرم .. أي ذو الفضل العظيم ، والكرم الذي لا حدود له ..
وفى تعريف طرفى الجملة الخبرية ، ما يفيد القصر ، أي قصر صفة الكرم على الله وحده ..
وقوله تعالى : (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) .. أي ومن كرمه سبحانه أنه جعل من القلم الذي هو قطعة جامدة من الحطب ، أو الخشب ، أداة للعلم والمعرفة ، ففتح به على الإنسان أبواب العلوم والمعارف ، وجعل من ثماره هذه الكتب التي حفظت ثمار العقول ، فكانت ميراثا للعلماء ، يرثها الخلف عن السلف ، وينميها ويثمرها العلماء جيلا بعد جيل .. وبهذا تعلم الإنسان ما لم يكن يعلم ، وبعلمه هذا المستفاد من سلفه ، فتح أبوابا جديدة من العلم يتلقاها عنه من بعده ، ويفعل فعله ، بما يفتح من أبواب جديدة للعلم .. وهكذا تتسع معارف الإنسان ، ويزداد علمه على مدى الأجيال ..
وهذا يعنى أن الإنسانية متطورة ، وسائرة نحو الأمام ، بما تتوارث أجيالها من ثمار العقول ، التي يتركها السلف للخلف ، جيلا بعد جيل ..