موقفهما إزاء الوجود ، وفى نظرتهما إلى عظمة الله وقدرته .. فالبدائى ينظر إلى عوالم الوجود بنظر شارد تائه ، لا يبعد كثيرا عن نظر بعض الحيوانات أمام مشرق الشمس أو مغربها .. أما رجل العصر الحديث فإنه ينفذ بنظره إلى أعماق بعيدة فى الموجودات ، حيث يطلع على أسرار لانهاية لها ، يروعه جلالها ، ويبهره نظامها وإحكامها ..
وشتان بين الإنسان البدائى الذي خاف الطبيعة وظواهرها ، فعبدها ، وتخاضع بين يديها ، وبين الرجل العصرى ، الذي أمسك بزمام الطبيعة ، وسخرها لخدمته ، ونظر إليها نظرة السيد المالك لها .. ثم كان عليه بعد هذا أن يبحث عن السيد المالك له هو ، ولهذا الوجود كلّه .. وهو لا بد مستدل بعقله على خالق هذا الوجود وسيده ، وذلك هو الإيمان الذي لا زيغ معه ولا ضلال ..
ولعل هذا يفسر لنا كثرة الأنبياء والرسل فى الأزمان السالفة .. ثم قلّتهم شيئا فشيئا كلما تقدم الزمن ، وتقدم معه العقل الإنسانى ، الذي يقوم مقام الرسول فى الدعوة إلى الله ، والهداية إليه. ، ثم انقطاع الرسل والأنبياء بخاتم سيد الرسل ونبى الأنبياء ، محمد رسول الله ، بعد أن بلغت الإنسانية رشدها ..
وقوله تعالى :
(إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى).
هو تهديد لهذا الإنسان الذي جحد نعمة الله عليه ، واتخذ منها أسلحة يحارب بها الفضيلة ، ويقطع بها ما أمر الله به أن يوصل .. إن هذا الإنسان راجع إلى ربه يوما ، وسيلقى جزاء بغيه وعدوانه ..
وقوله تعالى :
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى) ..
وهذه صورة لهذا الإنسان الذي طغى ، حين رأى نفسه ذاقوة وسلطان ..