وثالثا : وتأسيسا على هذا أيضا ـ كان هذا الإحساس الذي يجده الإنسان دائما من تقديس الماضي وتمجيده ، وأنه بقدر ما يبعد الزمن فى أغوار الماضي ، بقدر تعدّد ما يلبس من أثواب التقديس والتمجيد.
فالحياة بخير ، والإنسانية فى طريقها من الأرض إلى السماء ، وليست فى هبوط من السماء إلى الأرض!!
قوله تعالى :
(فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ* أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ).
الدّين هنا ، هو ما يدين به الإنسان لخالقه الذي خلقه فى أحسن تقويم ، وهو الاحتفاظ بهذه المنزلة العالية التي له فى عالم المخلوقات ، بما له من عقل مبصر ، ونظرة سليمة.
والمراد بالتكذيب ، هو إنكار هذا العقل ، وعدم الإصغاء إليه. والتخلّي عن هذه الفطرة ، وتعطيل وظيفتها.
والاستفهام إنكارى ، بكشف عن حال أولئك الذين خرجوا عن إنسانيتهم تلك ، وتحوّلوا إلى دنيا الحيوان ، بلا عقل ، ولا قلب!!
وقوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) هو إنكار بعد إنكار ، لمن زهدوا فيما أودع الخالق فيهم من آياته ، فردّوها ، وعرّوا أنفسهم منها ، كأنهم لا يرضون بما زيّنهم الله به ، وكأنهم يرون أن ما صنع الله بهم ليس على التمام والكمال ، فهم يزهدون فيه ، ويطلبون لأنفسهم ما هو أحكم وأكمل!! فالتكذيب بالدين لا يكون من إنسان عاقل رشيد ، وإنما يكون ممن سفه نفسه وجهل قدره!