(يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) .. (١ : فاطر) .. وإن نظرة فى تاريخ الإنسانية لترينا أن الإنسان فى أول ظهوره على هذا الكوكب الأرضى ، كان أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان، يسكن الغابات والكهوف ، ويعيش عاريا أو شبه عار ، لا يستره إلا ورق الشجر أو نحوه ، كما لا تزال شواهد من هذا قائمة فى البيئات المتخلّفة ، كما فى الزنوج ، والهنود الحمر .. فهذا الإنسان البدائى كان ـ ولا يزال ـ محكوما يغرائزه الحيوانية .. أما هذا الإنسان الذي شهد عهد النبوّات ، فهو وليد حياة متطورة ، قطع الإنسان مسيرتها فى مئات الألوف من السنين ، حتى أصبح أهلا لأن يخاطب من السماء ، وأن تناط به التكاليف الشرعية ، وأن يكون محلّا للحساب ، والثواب ، والعقاب.
والنظرة التي ينظر بها إلى الإنسان على أن أمسه خير من يومه ، ويومه خير من غده ، وأنه سائر فى طريق يتدلّى به سلّما سلّما من السماء إلى الأرض ـ هذه النظرة خاطئة من وجوه :
فأولا : أنها نظرة محصورة فى الوجود الذاتي للإنسان .. فالإنسان فى نظرته إلى نفسه يرى أن واقعه الذي يعيش فيه ، غير محقّق لرضاه عنه ، أيّا كان هذا الوجود ، وأيّا كان حظّه مما لم يظفر به غيره .. إنه يتطلع دائما إلى ما هو أفضل ..
وثانيا : وتأسيسا على هذا ، أن عدم رضا الإنسان عن واقعه ، وتطلعه إلى المستقبل الذي لا يجد فيه ما يرضيه ـ هذا التطلع ـ يشرف به على عالم مجهول ، لا يدرى ما سيطلع عليه منه ، فلا يجد إلا الماضي الذي يعيش فى ذكرياته ، وإنه حين ينظر إلى هذا الماضي لا يذكر منه إلّا ما كان موضع مسرّته ورضاه .. أما ما يسوءه منه فإنه يختفى من حياته ، ولهذا كان الحنين إلى الماضي رغبة منبعثة من صدور كل إنسان.