هذا الشرائع السماوية نفسها ، فما كملت شريعة السماء إلا فى الشريعة الإسلامية ، التي التقت مع الإنسان بعد هذه الدورات الطويلة الممتدة من مسيرة الحياة الإنسانية ـ فهذا هو معيار الإنسان ، ووزنه الذي يوزن به! ودورة الإنسان هذه على هذه الأرض هى دورة جزيئة فى فلك الوجود ، إذا غربت شمسه على هذه الأرض ، طلعت من جديد فى عالم آخر ، هو عالم الخلود!.
أما قوله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) ـ فهذا حكم على الإنسان فى أفراده ، لا فى نوعه ، فالإنسان ـ كفرد ـ يولد ـ فى أىّ زمن من أزمان الحياة الإنسانية (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) بما أودع الخالق فيه من عقل مبصر ، وفطرة سليمة ، ثم إن كثيرا من الناس يطفئون نور عقولهم بأيديهم ، ويغتالون فطرتهم بشهواتهم ، فيفسدون وجودهم الإنسانىّ ويردّون إلى عالم الحيوان ، وقليل منهم يحتفظون بوجودهم الإنسانىّ ـ عقلا وفطرة ـ فيكونون شاهدا قائما على أن الإنسان ـ فى كل زمن هو خليفة الله فى هذه الأرض ، وهو سيّد ما عليها من مخلوقات ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) .. فهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، هم الإنسان ، وهؤلاء هم الإنسان الذي يتناول من ربّه أجره الإنسان كاملا فى الدنيا والآخرة ، وإنه لأجر يتكافأ مع هذا الخلق العظيم الذي خلق عليه فى أحسن تقويم ، لا يناله غيره من عالم الأحياء .. إنه أجر مقدّر بقدره محسوب بشرف خلقه .. أما من نزلوا عن هذا القدر وتخلّوا عن هذا الشرف ، فلهم الأجر الذي هم أهله : (يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) وهل للأنعام إلا أن تسمّن ، وتذبح ، ثم تكون وقودا للبطون الجائعة؟.
إن الوجود فى تطور ، وفى نماء ، وهذا بعض ما يشير إليه قوله تعالى :