ويتحلّون بحلل الكرامة والفخار .. أما الذين يستقبلون الحياة مستنيمين فى ظلها ، متجنبين الخواض فى غمراتها ، متخففين من حمل أعبائها وأثقالها ، فهيهات أن تسلمهم الحياة آخر الأمر إلى غير المهانة والضياع ..
تريدين إدراك المعالي رخيصة |
|
ولا بد دون الشهد من إبر النحل! |
وهكذا الشأن فيما بين الدنيا والآخرة .. فمن حمل نفسه على المكروه فى الدنيا ، نزل منازل النعيم والرضوان فى الآخرة .. ومن وضع فمه فى ثدى الدنيا يرضع منها حتى يضع قدمه على طريق الآخرة ـ انقطع به مورد فطامه هناك ، وكان من الهالكين ..
وفى تكرار الآية ، بدون حرف عطف ، توكيد للخبر الذي ساقته ، وتقرير للحكم الذي قضت به .. (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً).
يقول المفسّرون والبلاغيّون : إن المعرفة إذا كررت كانت هى هى ، وأن النكرة إذا كررت كان اللفظ الثاني غير الأول .. وهنا يقولون : إن كلمة «العسر» ـ وهى معرفة ـ هى عسر واحد بعينه فى الموضعين ، وأما كلمة «يسر» ـ وهى نكرة ـ فإنها يسر بعينه فى كل موضع ، ومن هنا قالوا «لن يغلب عسر يسرين» ـ يعنون بذلك أن العسر دائما يواجهه يسران ، وأنهما لا بد أن يقهراه ويغلباه ، ويأتون على هذا بحديث لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم يقول : «لن يغلب عسر يسرين».
هذا وجه يراه العلماء فى هذا التكرار ..
ووجه آخر ، نراه نحن ـ والله أعلم ـ وهو هذه المعيّة «مع» ، التي تحمل مع كل عسر يسرا مصاحبا له ، مندسّا فى كيانه .. (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ـ أي إن العسر ـ أىّ عسر ـ لا يلقى الإنسان إلا ومن محامله اليسر ، الذي يعمل على مقاومته ، ومصارعته حتى يقهره آخر الأمر ، ويتركه صريعا ، ليأخذ اليسر