الزمن بهذا الغذاء الذي لا ينفد أبد الدهر ، من ثمرات الإيمان ، وزاد التقوى .. فأى شرح للصدر ، وأي غبطة ورضا ومسرة تعمر جوانبه ، أكثر من هذا وأعظم ، وأبقى؟
قوله تعالى :
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً).
العسر : الضيق ، والشدة .. واليسر : السعة والرخاء ..
وهكذا كان تدبير الله سبحانه وتعالى مع النبي الكريم ، بدأ أمره بالعسر والضيق ، ثم كانت عاقبة أمره إلى اليسر والسعة ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) ، وإنما الأمور بخواتيمها .. فما أجمل العافية بعد المرض ، وما أطيب الصحة بعد الاعتلال ، وما أهنأ الشبع بعد الجوع ، والرىّ بعد الظمأ!!
وهكذا فى كل ما يسوء ويسر .. إذا جاءت المسرة بعد السوء ، عظم وقعها ، وجمل أثرها ، وعفّى على كل أثر للمساءة والمضرة :
كأن الفتى لم يعر يوما إذا اكتسى |
|
ولم يك صعلوكا إذا ما تمولا! |
وعكس هذا صحيح .. فإنه ما أثقل المرض بعد العافية ، والاعتلال بعد الصحة ، وما أقسى الجوع بعد الشبع ، والظمأ بعد الري .. وهكذا فى كل مساءة تعقب المسرة ، حيث يذهب بها كل شىء كان جميلا طيبا ، ثم لا يبقى إلا وجهها الكريه البغيض ، يؤلم ، وبورق ، ويعضنى ..
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا |
|
أنيس ولم يسمر بمكة سامر |
فالذين يمشون فى أول حياتهم على الشوك ، ويغسلون أجسادهم بعرق الكفاح والصبر ، يجنون أطيب الثمرات ، ويضعون أقدامهم على مواقع العزة والمجادة ،