مكانه ، متمكنا ، لا ينازعه عسر!
هكذا الشدائد تتولّد منها دائما مواليد الخير ، وتستنبت فى أرضها أطيب الثمرات ، وأكرمها ، وأهنؤها ..
وهناك سؤال : إذا كان مع العسر يسر ، فهل العكس صحيح ، وهو أن يكون مع اليسر عسر؟
وكلا .. فإن العسر رحمة من رحمة الله .. إنه من موارد الحق ، والخير .. وما كان كذلك كان صفوا من كل كدر ، خالصا من كل سوء .. فاليسر لا يحمل فى كيانه أبدا شيئا ما يكدره .. إنه من العالم العلوي ، أشبه بماء المطر ، لا يخالطه شىء من الملح .. أما العسر فهو أشبه بالماء الملح ، يحمل فى كيانه الماء العذب ..
اليسر جوهر ، والعسر عرض! ومن هنا نجد مع كل عسر يسرا ، ولا نجد مع كل يسر عسرا .. ومن هنا أيضا بلد العسر يسرا ، ولا يلد اليسر إلا يسرا.
ومفهوم العسر واليسر هنا ، هو المفهوم العالم المطلق لهما ، لا المفهوم الذي يوزن بميزان شخصى ، ويقوم على اعتبار فردى .. وهذا المفهوم المطلق ـ للعسر واليسر ـ إذا أمعنا النظر فيه ، نجد أنه لا عسر أصلا ، وأنه لا يدخل فى نظام الوجود العام ، الذي ينتظم الموجودات كلها ، ويجعل منها جميعا نغما متسق الألحان .. (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) .. (٣ : الملك)
وقوله تعالى :
(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ).
هو تعقيب على قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) أي أنه إذا كان من شأن العسر أن يصحبه يسر ، ومن شأن النّصب والتعب أن تعقبمها الراحة والرضا ، فجدير بك أيها النبي ـ كما هو جدير بكل إنسان ـ