(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) (٥٤ : الروم) ويقول سبحانه : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (٢٨ : النساء) وإن بعوضة تلسعه لتحرق جسده بالحمى ، وإن جرثومة تتدسس إلى كيانه لتهدّ بنيانه ، وتقوض أركانه!! ثم ما قوة هذا الإنسان؟ أهو أقوى من خالقه الذي خلقه من نطفة ثم سواه رجلا؟
فما أضعف الإنسان ، وما أخف وزنه ، إذا كان معياره قائما مع هذا الجسد ، دون أن يكون لروحه حساب ، أو لنفسه اعتبار!
وقوله تعالى :
(يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً)
هكذا يقول الإنسان مباهيا مفاخرا بما أنفق من مال ..
واللبد : الكثير ، الذي جمع بعضه إلى بعض ، فكان أكداسا مكدسة .. وفيم أهلك هذا السفيه المغرور هذا المال الكثير؟ أفي ابتناء محمدة ، أو اكتساب مكرمة؟ أو إغاثة ملهوف؟ أو إطعام جائع؟ كلّا .. إنه لا يعرف وجها من هذه الوجوه ولا تنضح يده لها بدرهم ، من هذا المال الكثير الذي أهلكه .. إنه أهلكه فى مباذله ، وفى استرضاء شهواته ، وإشباع نزواته .. ولهذا فهو مال هالك ، ومهلك لمن أنفقه وهذا بعض السرّ فى قوله تعالى : «أهلكت» الذي يدل على أن هذا المال ذهب فى طريق الضياع والفساد.
وقوله تعالى :
(أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ؟)
أي أيحسب هذا السفيه المفتون ، أن عين الله لا تراه ، ولا تكشف عن هذه الوجوه المنكرة التي يهلك فيها هذا المال اللبد؟ وكلّا ، فإنه محاسب على هذا المال الذي أهلكه فى وجوه الضلال ، والبغي والعدوان ..