ويولّى ، والقوة تتبدد وتصبح وهنا وضعفا ، وهذا الجسد الذي ملأ الدنيا حياة وحركة سيعصف به الموت يوما ، ويلقى به فى باطن الأرض ، جثة هامدة متعفنة ، لا تلبث أن تصير ترابا!.
فالإنسان وحده من بين المخلوقات ـ فيما نعلم ـ هو الذي تستبدّ به هذه المخاوف ، وتطرقه هذه التصورات ، على خلاف سائرا لأحياء التي تقطع مسيرتها فى الحياة ، فى غير قلق أو إزعاج من المستقبل الذي ينتظرها .. إنها لا تنظر إليه ، ولا تتصوره ، ولا تعيش فيه قبل أن يصبح واقعا ..
أما الإنسان ، فإنه يعيش فى المستقبل أكثر مما يعيش فى الواقع ، حتى إنه ليرى بعين الغيب فى يوم مولده ، ما هو مقبل عليه من آلام ومكابدات فى مستقبل حياته .. يقول ابن الرومي.
لما تؤذن الدنيا به من صروفها |
|
يكون بكاء الطفل ساعة يولد |
وإلّا فما يبكيه منها ، وإنها |
|
لأرحب مما كان فيه وأرغد |
هذا هو الإنسان ، وتلك هى مسيرته فى الحياة ، فلا يفترنّ جاهل بقوته ، ولا يركننّ مغرور إلى ما بين يديه من مال وسلطان .. فكل زائل وقبض الريح! ..
قوله تعالى :
(أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ)؟
هو إلفات لهذا المغرور بقوته ، المعتزّ بسلطانه وجاهه ، المفتون بنفسه ، المتشامخ بذاته ، حتى ليحسب أن أحدا لن يقدر عليه ، ولن يسلبه شيئا مما معه ..
إنه أضعف من أن يثبت لنخسة من نخسات الحياة ، كما يقول سبحانه :