وفى قوله تعالى : (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) ـ إشارة إلى أن الابتلاء بالإعطاء والمنح ، هو ـ عند من يعرف قدره ، ويحسن استقباله ـ فضل وإكرام من الله ، وإنه لجدير بالعاقل ألا ينزع عن نفسه هذا الثوب الذي كساه الله إياه ، ويلبس نفسه لباس الشقاء والبلاء ..
فالذين أنعم الله عليهم من عباده المكرمين بالملك والجاه والمال والسلطان ـ يرون فضل الله عليهم ، وإحسانه إليهم ، فلا يكون همّهم إلا إفراغ جهدهم كله فى القيام بواجب الشكر لله ، والحمد لله ، أن أكرمهم بهذا العطاء ، وعافاهم من المنع والحرمان. وفى هذا يقول سليمان عليهالسلام : (يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (١٦ : النمل). إنه يهتف من أعماقه ، محدّثا بنعمة الله عليه ، داعيا الناس أن يشهدوا عليه ، وهو بين يدى نعم الله السوابغ عليه ، وأنه إذا لم يقم فى مقام الشاكرين لله ، فليعدّوه جاحدا ، بل وليخرجوا عن سلطانه الذي مكن الله سبحانه وتعالى به على الناس .. ويقول سليمان فى موضع آخر ، وقد رأى عرش ملكة سبأ ما ثلا بين يديه : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ؟ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (٤٠ : النمل).
هكذا النفوس الكريمة الطيبة ، تستقبل الإحسان بالإحسان ، وتتلقىّ الخير بالخير ..
بل إنها لتضيق بالإحسان ، وتراه حملا ثقيلا عليها ، إذا هى وجدت ضعفا عن القيام بشكره .. يقول الشاعر مخاطبا أحد ممدوحيه الذين أضعفوا عطاياهم له ، وأضفوا إحسانهم عليه .. يقول :
لا تسدينّ إلىّ عارفة |
|
حتى أقوم بشكر ما سلفا |
أنت الذي جللتنى مننا |
|
أوهت قوى ظهرى فقد ضعفا |