رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ)؟ (٤٠ : النمل) ـ بل إنه يرى أن ذلك الإحسان المسوق إليه من عند الله ، هو حقّ اقتضاه من الله سبحانه ، لما يرى فى نفسه من ميزات استحق بها هذا الإحسان دون الناس ، فيقول كما يقول أهل الزيغ والضلال ، فيما أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) (٥٠ : فصلت).
فالإنسان ضعيف أمام سلطان المال ، وتسلطه عليه ، فإذا لم يحضّ نفسه على مراقبة الله ، وإذا لم يقم على نفسه وازعا يزعه من غلبة الهوى ، استبدت به شهوة المال ، وصرفته عن الله ، وأرته الحياة الآخرة سرابا خادعا ، لا ينبغى له أن يدع هذا الحاضر الذي بين يديه ، ويتعلق بهذا السراب الخادع الذي لا يدرى ما وراءه!!
والإنسان هنا ، هو مطلق الإنسان ، إلا من عصم الله ، وهم قليل ..
وفى قوله تعالى : (ابْتَلاهُ رَبُّهُ) إشارة إلى أن هذا المال المسوق إلى الإنسان ، وتلك النعم التي ملأ الله بها يديه ، هو ابتلاء وامتحان له من الله ، يكشف به عن شكره أو كفره ، وأن ذلك ليس لميزة امتاز بها على الناس ، فكما يبتلى الله أولياءه بالمال ، يبتلى أعداءه به أيضا ، فيعطى كلّا من الأولياء والأعداء ما يشاء .. أما الأولياء فيحمدون ، ويشكرون ، وأما الأعداء فيزدادون كفرا وعنادا .. والله سبحانه وتعالى يقول : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٣٥ : الأنبياء)