حامِيَةً) أي تعذب بنار حامية .. وفى وصف النار بأنها حامية ، إشارة إلى أنها نار ذات صفة خاصة ، على خلاف المعهود من نار الدنيا .. فكل نار ، حامية ، وهذا الوصف الوارد على النار ، يعطى وصفا جديدا لها.
وهذه الوجوه أيضا ، تسقى من ماء حار ، يغلى فى البطون كغلى الحميم.
وإسناد هذه الأفعال إلى الوجوه ، لأن الوجوه ، هى عنوان الذات الإنسانية ، وهى وحدها التي تحدّث عن ذات الإنسان ، وتدل عليه .. فالناس يتشابهون أجسادا ، ولكن الذي يفرق بين إنسان وإنسان هو الوجه الذي يجعل لكل إنسان صورته التي يعرف بها بين الناس .. إن الوجه هو الذات الإنسانية بكل مشخصاتها ومقوماتها ، ولهذا كان له هذا الشأن فى موقف الحساب والجزاء ، وما يلقى الإنسان هناك من نعيم أو عذاب ، إن كل صور العذاب والآلام تنطبع عليه ..
قوله تعالى :
(لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ* لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) ..
عدل هنا عن الحديث إلى الوجوه ، واتّجه به إلى أصحابها ، لأن الطعام لا يساق إلى الوجوه وإنما يساق إلى البطون ، ثم تنطبع آثاره على الوجوه .. وفى هذا ما يعطى كل جزء من أجزاء الجسد نصيبه من هذا العذاب. فالعذاب الذي يقع على جزء من الجسد ، يشيع فى الجسد كله ، فإذا كان كل جزء من الجسد واقعا تحت لون من ألوان العذاب يتناسب مع طبيعته ، كان ذلك أنكى وآلم ، حيث يتحول الإنسان تحت وطأة هذا العذاب إلى طاقات كثيرة متعددة ، يصبّ فيها العذاب الذي يحتوى كل ذرة فيها ، ولعل هذا من بعض ما يشير إليه قوله تعالى : (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٦٩ : الفرقات).