ما وقع فى خاطره صحيحا ، التقى مع هذا الجواب الوارد عليه التقاء متمكنا ، وعانقه عناق الغائب المنتظر ، وإلا أخذ الجواب الصحيح ، وأقامه مقام مالم يصح من خواطره ، وتصوراته ..
والغاشية : ما يغشى الناس فى هذا اليوم ، من أهوال ، وما يطلع عليهم فيه من شدائد .. وأصله من الغشي ، وهو السطو والهجوم ..
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ ، عامِلَةٌ ناصِبَةٌ).
هذا هو مطلع حديث الغاشية ، وهذا هو الجواب على السؤال عنها .. إن ما تحدّث به الغاشية عن نفسها ليس كلاما ، وإنما هو أفعال وأحداث .. ومن أحداثها ، تلك الوجوه الخاشعة .. وخشوعها هو خشوع ذلة ، وضراعة ، ومهانة ، وليس خشوع تقوى وتوقير وإجلال .. فللذل خشوع انكسار ، وامتهان ، تموت معه العواطف ، والمشاعر ، كما يقول تعالى فى أصحاب النار : (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ).
وفى قوله تعالى : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) ـ إشارة إلى هذا الرهق الذي غشى تلك الوجوه الخاشعة ، لأن أصحابها فى نصب دائم ، وعمل مضن لا ينقطع ، من موقفهم موقف المساءلة ، والحساب ، وعرض مخازيهم عليهم ، إلى وضع الأغلال فى أعناقهم ، إلى سحبهم على وجوههم فى جهنم ، إلى صرخات الويل والثبور التي تملأ الآفاق من حولهم ، فكل هذا وكثير غيره من الأهوال ، تنطبع على وجوههم آثاره ، قتاما وعبوسا ، ورهقا ..
وقوله تعالى :
(تَصْلى ناراً حامِيَةً. تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ).
هو صفة لهذه الوجوه ، وما يرد عليها من مساءات .. إنها (تَصْلى ناراً