(٨٦ : الإسراء) ولكنه سبحانه وتعالى لم يشأ هذه المشيئة! وبذلك يظل النبىّ مع هذا الوعد الكريم من ربه ، على ثقة واطمئنان ، بأن ما يتلقى من آيات ربه ، سيكون محفوظا فى صدره ، ثم هو فى الوقت نفسه لا يخلى نفسه من معاناة الحفظ ، والتلاوة ، ومراجعة ما حفظ ، وذلك ليعطى وجوده حقه من الطلب والمعاناة ، وإلا ـ وحاشاه ـ كان أشبه بآلة مسجلة ، تملأ ، ثم تدار ، لتفرغ ما ملئت به .. ولهذا كان من بعض حكمة الله سبحانه فى نزول القرآن منجما ، ما أشار إليه سبحانه فى قوله تعالى : (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) وذلك بمعايشة كلمات الله ، وقتا كافيا ، تقرّ فيه فى صدر النبىّ ، وتثبت بالحفظ ، والمراجعة والمعاناة ..
والدليل على ما ذهبنا إليه ، ما ثبت من تاريخ القرآن ، من أن النبىّ عليه الصلاة والسلام ، كان يعرض على جبريل كلّ عام ما نزل عليه من القرآن ، فلما كانت السنة التي توفى فيها النبىّ ، عرض على جبريل القرآن كله ، مرتين ، وقيل ثلاث مرات ، وذلك لتأكيد ما حفظ النبىّ وتوثيقه ..
وهذا يعنى أن سنن الله الكونية ـ وهى من مشيئته وحكمته ـ قائمة أبدا ، وأن الأخذ بالأسباب مطلوب فى كل حال ، ومع كل مخلوق ، حسب وجوده فى عالمه ..
وقوله تعالى : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) هو تأكيد لهذا الوعد مع الاستثناء ، وأن الله سبحانه ، الذي وعد النبىّ بألا ينسى ما يحفظ ، هو عالم الجهر والسر ، وهو سبحانه الذي يملك خطرات النفوس ، وخلجات الصدور ، فيتصرف فيها كيف يشاء ..
وقوله تعالى :
(وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) ..