الله التي يتلقاها وحيا من ربه ، فإن خير ذكر لله ، هو بتلاوة آياته سبحانه وتعالى ، ولهذا كان أول ما تلقاه النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من ربه ، هو قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) فهو مثل قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى ، وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى ، فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى).
ولما كانت هذه السورة ـ سورة الأعلى ـ من أوائل ما نزل من القرآن ، فقد كان النبي الكريم يحرص أشد الحرص على أن يحفظ حفظا موثّقا كلّ ما يتلقى من وحي .. فلما حمى الوحى وبدأت آيات الله تنزيل عليه تباعا ، خشى أن يثقل على حافظته حفظ ما يوحى إليه ، ولهذا كان يسمع الآية من جبريل عليهالسلام فيعيد تكرارها على لسانه حتى يثبت حفظها فى قلبه ، فنزل عليه قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (١٦ ـ ١٩ : القيامة) .. ثم جاء قوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللهُ) .. وذلك ليقطع على النبىّ كل خاطر يخطر له من أن شيئا مما نزل عليه من آيات الله ، يكون فى معرض النسيان يوما ما ..
وفى قوله تعالى : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ـ إشارة إلى أن هذا الحكم المطلق المؤيد بعدم النسيان ، هو رهن بمشيئة الله ، وأن مشيئة الله مطلقة لا يقيدها شىء .. فلو شاء سبحانه أن يذهب بما حفظ النبىّ من آيات الله لذهب به ، ولكنه ، سبحانه لم يشأ ، فهى مشيئة مقيدة بمشيئة ، وكلا المشيئتين من الله ، وإلى الله .. وهذا مثل قوله تعالى : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ)