أرأيت إلى الناس فى ساجة القضاء ، وقد نطق القاضي ببراءة بعض الناس ، وإدانة البعض؟ إنه صورة مصغرة إلى أبعد حدود الصّفر ، لحال الناس يوم القيامة ، فى موقف الحساب والجزاء.
والظن هنا ، ظن يقين ، وليس ظنّ شك وتردد.
وفى التعبير عن الإيمان بالآخرة بلفظ «الظن» ، الذي يغلب على معناه التوقع والاحتمال ، لا اليقين ـ فى هذا ما يشير إلى أن الإيمان بالغيب ـ وإن وقع فى قلب المؤمن موقع اليقين ، فإنه يظل فى منطقة الظن من عقله ، حيث لا يسلم العقل السليم إلا بما يقع فى دائرة إدراكه ، وتلك الدائرة لا يدخل فى محيطها ما كان من الغيبيات ، وإنما يقع ذلك الغيب فى محيط القلب ، وبقدر ما يكون فى القلب من اطمئنان ، بقدر ما يقع فى العقل من إدراك ، والعكس صحيح أيضا ..
وليس الظن الغالب فى مقام الإيمان بالشيء ، بالذي ينقص من قيمة هذا الإيمان ، والعمل بمقتضاه ، فإن أغلب معارفنا ومدركاننا مبنى على الظن الغالب ، لا اليقين المحقق ، ومع هذا فإننا نقيم وجودنا على هذه المعارف ، وتلك المدركات ..
ومثل هذا الظن ما جاء فى قوله تعالى : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) (١٢ : النور). فهذا الظن الحسن الذي يدعى المؤمنون إليه ، فى نظرتهم إلى ما يقع من إخوانهم المؤمنين ، مما قد يكون موضع ريبة واتهام ـ هو كاف فى إمساك الألسنة عن قول السوء ، والمسارعة إلى الاتهام .. فهو ظن عامل موجّه ، لا ظن توقف وارتياب.