قوله تعالى :
* (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ* قُطُوفُها دانِيَةٌ).
هو بيان لحال من أوتى كتابه بيمينه ، وللجزاء الحسن الذي يلقاه يوم القيامة ..
إنه سيكون فى عيشة راضية ، أي فى حياة طيبة ، يجد فيها الرضا كله ، فى جميع أحواله ..
وفى وصف العيشة بأنها هى الراضية ، إشارة إلى أن حقيقة هذه العيشة هى الرضا نفسه ، الذي يسع النفوس جميعا ، على اختلاف مقاماتها ومنازعها .. وهذا أبلغ ـ فى مقام الرضا ـ من أن يكون الوصف بالرضا لمن يعيش فى المعيشة .. فقد يرضى الإنسان بلون من المعيشة ، هى فى حقيقتها معيشة تافهة حقيرة ، تأباها كثير من النفوس الكبيرة ، وتراها شقاء وبلاء إذا هى حملت عليها ..
فمن الناس من تكفيه اللقمة يشبع بها بطنه ، ويراها أملا مرجوّا ، إذا تحقق له ، سعد به ، ورضى عنه ، وإن كان ذلك من فتات موائد القمار ، والعهر ، أو من شباك النصب والاحتيال ، أو من صدقات المتصدقين ، وإحسان المحسنين .. على حين أن كثيرا من الناس لا يرضيهم من العيش إلا أن يكونوا فى مقام الصدارة والسيادة ، وإلا أن يضعوا فى أيديهم كل أسباب الملك والسلطان.
وهكذا تبدو المسافة بعيدة غاية البعد ، بين ما يحقق الرضا لبعض النفوس ، وما يحققه لبعض آخر منها ..