لم يحزن هؤلاء المؤمنون ولم يجزعوا ، من فزع هذا اليوم ، بل تتلقاهم الملائكة ، تخفف عنهم من وقع الصدمة ، وتخبرهم بأن هذا هو اليوم الذي وعدوا به ، وعملوا له ، وانتظروه .. وفى هذا يقول الله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ* لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ* لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (١٠١ ـ ١٠٣ : الأنبياء).
فإذا سبق الناس إلى المحشر ، وعرضوا للحساب ، وجد كل إنسان كتاب أعماله فى يده ، فمن كان من أصحاب الجنة ، أخذ كتابه بيمينه ، ومن كان من أهل النار ، أخذ كتابه بشماله ، وهنا يعرف الناس ـ فى صورة مجملة ـ المصير الذي سيصير إليه كل منهم ، وهنا تعلو أهل المحشر أحوال شتى ، تختلط فيها صيحات الفوز ، وزغاريد الفرح ، بأنّات الحسرة ، وزفرات اليأس ..
فمن أخذ كتابه بيمينه ، تراه وقد استطاره الفرح ، واستخفّه الظفر ، فجعل يلوّح بكتابه ، وينادى به فى الناس : أن اقرءوا كتابيه!! إنه يريد أن يشهد الناس معه هذه الحال التي هو فيها ، وليشاركوه هذه الفرحة الكبيرة التي لا تحتملها نفسه!.
وقوله تعالى : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) هو من مقولة صاحب الكتاب المأخوذ باليمين ، لمن يلقى من أهل المحشر .. فهو إذ يأخذ كتابه بيمينه ، يطير فرحا ، فيحدّث كل من يلقاه من أهل المحشر ، ويدعوهم إلى أن يقرءوا كتابه ، وأن يروا ما فى وثيقة النجاح التي فى يده ، من أعمال طيبة ، وأن هذه الأعمال الطيبات ، إنما هى التي أعدّها لهذه اليوم ، وعملها فى دنياه ، لأنه كان على يقين من أنه سيبعث وسيحاسب!!