كانت الرابعة غطّه جبريل غطّا شديدا ، كاد يفقد معه وعيه .. ثم قال له : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ..) الآيات.
فهذا هو القرآن الذي أوحى به جبريل إلى النبي ، وقد أوحاه إليه فى صورة خرج بها عن حاله التي تمثل فيها له بشرا .. فإن هذه الغطة غيّرت الموقف تغيرا تاما ، فجمعت بين جبريل ، وبين النبي فى كيان ملكى بشرى .. فكان النبي بشرا يقترب من الملك ، وكان جبريل ملكا يقترب من البشر! وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من أن الوحى القرآنى ، كان دائما على تلك الصورة التي لا يتمثل فيها جبريل رجلا ، يخا؟؟؟ ب النبىّ بلسان بشرىّ ، وإنما كان يأتيه مثل صلصلة الجرس ..
والذي نريد أن نصل إليه من حديثتا هذا ، هو أن القرآن الكريم ، كان يتلقاه النبي من الوحى على صورة خاصة ملازمة دائما ، وهى أن جبريل كان فيها لا يخرج عن صورته الملكية إلا بالقدر الذي يستطيع فيه أن يلتقى مع النبي وهو ساع إلى لقائه فى صورة ملائكية ، بشرية ، كما كان النبي يرتفع إلى أعلى أفق نحو الملائكية ، ولا ينسلخ انسلاخا كاملا من ثوب البشرية ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (٨ ـ ٩ : النجم) على ما ذهبنا إليه فى تفسير هذه الآيات فى سورة النجم ، وعلى أن الضمير فيها عائد إلى جبريل عليهالسلام.
وهذا يعنى أن جبريل عليهالسلام ، كان فى تلك الحال التي ينزل فيها بالقرآن واقعا تحت تجلّى الله سبحانه وتعالى عليه بكلماته التي يوحيها إلى النبي.
فجبريل إذ يتصل بالنبي ، فى مقام تنزل آيات الله عليه ـ يكون فى حال أشبه بحال النبي .. كلاهما يتلقى تجليات آيات الله عليه ، وإن كان جبريل هو الذي يتلقى صدمة الصعقة أولا ، حتى يخّف على النبي وقعها .. وهذا يعنى أن النبي ـ