وليست هذه الحال التي كان يعانيها النبي من الوحى ـ دون سائر الأنبياء ـ ليست إلا لأن الله سبحانه وتعالى يتجلى على النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فى كلماته القرآنية ، ساعة تلقيها من جبريل ..
ونقول إن تلك المعاناة التي كان يعانيها النبي من الوحى ، هى خاصة به وحده ، دون ما نعرف من الوحى الذي يوحى إلى الأنبياء ، والرسل ، لأن الذي يقصه القرآن علينا من أمر الرسل ، وصلتهم بالوحى ، هو أن ـ رسول الوحى ، أو رسل الوحى ، كانو يجيئون إليهم فى صورة بشرية كاملة ، يلتقون بهم فيها كما يلتقى الناس بالناس ، ويتحدثون إليهم كما يتحدث الناس إلى الناس .. فلم يكن الرسول من هؤلاء الرسل الكرام ، يشعر بأن قوة خفية دخلت عليه ، أو خالطت وجدانه ، ومدركانه ، وذلك على غير ما كان فى حال الوحى مع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، وما كان يلقى فى تلقّى الوحى من شدّة.
فقد جاء الوحى إلى إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل فى صورة رؤيا رآها فى المنام .. كما يقول سبحانه على لسانه : (يا بُنَيَّ .. إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ .. فَانْظُرْ ما ذا تَرى) (١٠٢ : الصافات) .. كذلك جاء الوحى إليه فى صورة جماعة من الضيوف ، نزلوا عليه : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ. فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ، فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ. فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ، فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ، قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) (٢٤ ـ ٣٠ : الذاريات)