متطوعا ـ من عبادات ، وإخلاء نفسه من شعور الجدّ فيها ، والاحتفاء بها ، بوصف أنه إنما يأتى به متطوعا ، وأنه لا حرج عليه فى أن يؤديه على أية صورة ـ إن هذا من شأنه أن يذهب بجلال العبادة وقد سيتها ، ويجعلها أشبه باللهو واللعب .. وأنه إذا كان المؤمن شأن فى أداء فرائض الله ، فليكن هذا شأنه فى جميع ما يتعبد لله سبحانه وتعالى به ، من فرائض وواجبات ونوافل ..
فهو فى جميع أحواله ، فى مقام التعبد لله ، يستوى فى هذا ما كان فرضا ، أو واجبا ، أو تطوعا .. فإن العبادة هى العبادة ، والمعبود هو المعبود ، والعابد هو العابد ..
فالفرائض ، والواجبات ، والنوافل ، كلها فى مقام التعبد لله ، على درجة واحدة ، فيما ينبغى لها من جلال وتوقير ، لأنها جميعها موجهة إلى الله سبحانه وتعالى .. والله سبحانه وتعالى طيّب لا يقبل إلا طيبا ..
ففى قوله تعالى : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) ـ إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى ، قد أعفى المؤمنين من هذا الإلزام الذي ألزموه أنفسهم ، وقد أعنتهم الوفاء به ؛ ورهقهم الاستمرار عليه .. فتاب الله عليهم ، وأحلّهم من هذا الإلزام ، وتجاوز عن تقصيرهم ، توخرج بهم من الضيق إلى السعة ، لطفا منه ورحمة ، وإحسانا ..
وقوله تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) .. هو تفريع على قوله تعالى : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) .. أي ولأن الله قد تاب عليكم ، فاقرءوا ما تيسر من القرآن ، دون أن يكون ذلك مقيدا بقدر محدود من الليل ، أو النهار ، حتى تؤدوا ذلك القدر اليسير من التلاوة على الوجه الأكمل ، وفى حال حضور جسدى ، ونفسى وعقلى ..