هذا القول فيمن يتلقاه ، ويرتله .. فإن هذا الأثر يختلف باختلاف المتلقّين له ، وباستعدادهم العقلي ، والنفسىّ والروحي ، للفهم عنه ، والتجاوب معه .. كما أن هذا الأثر يختلف باختلاف أحوال المتلقّى الواحد ، وبتأثر هذه الأحوال بظروف الزمان ، والمكان .. فبعض الأزمنة تفعل فيها الكلمة ما لا تفعله فى أزمنة أخرى ، وبعض الأمكنة ، تجعل الكلمة وقعا على نفس متلقيها ، لا يجده منها فى مكان آخر .. تماما كشأن النبات من الحب والفاكهة ، فإن لكل فاكهة ولكل حب مكانا لا يجود إلا فيه ، وزمانا لا تنطلق فيه طاقاته وقواه كاملة إلا إذا احتواه هذا الظرف من الزمان ..
وأول ما ألقى على النبي من قول ثقيل ، هو هذا الأمر التكليفي الذي كلف به من ربه ، وهو أن يقوم من نومه ، وأن يرفع هذا الغطاء المتزمل به ، وأن يقوم الليل كله إلا قليلا منه ، ذاكرا الله بتلاوة القرآن وترتيله ..
ويجوز أن يكون هذا القول الثقيل ، هو ما يحمل إليه هذا القول من حمل أمانة تلك الرسالة العظيمة التي يقوم عليها ، ويواجه الناس بها ، وقد حمل النبي أعباء هذه الرسالة نحوا من ثلاث وعشرين سنة ، احتمل فيها ما تنوء الجبال الراسيات بحمله .. ويجوز أن يكون هذا القول الثقيل ، هو الوحى نفسه ، وما كان يجد النبي من جهد فى تلقى كلمات الله منه ..
هذا ، والذين ذهبوا إلى أن ناشئة الليل ، هى آخر الليل إنما نظروا فى قول الله سبحانه: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) ـ وفى هذا تنويه بهذا الوقت ـ وقت الفجر ـ وأنه وقت مبارك ، تتفتح فيه النفس لتقبل الخير ، وتشرق فيه بنور الحق ، كما يشرق وجه النهار ، ويسفر ، حين يطلع الفجر ..