والذي نميل إليه أن ناشئة الليل هى أوله ، حيث يبدأ فيها نشوء الليل ، وحيث هى التي يتحقق بها ما دعى إليه النبىّ من قيام الليل إلا قليلا منه ، فإنه لو نام الإنسان أول الليل فهيهات أن يضبط الوقت الذي يستيقظ فيه ، ومن ثمّ فقد لا يقوم شيئا من الليل ، فضلا عن أن يقوم الليل كله إلا قليلا منه ..
وقوله تعالى : (هى أشد وطئا) أي أثقل على النفس وأشق ، لأن الإنسان يصل بها تعب النهار ، الذي يحمل الإنسان على أن يلقى بهذا التعب عند أول الليل ، كما يلقى المسافر مشقة السفر عند أول منزل ينزله .. وفى هذه المشقة ، مضاعفة الثواب ، ودربة على تعوّد المتاعب ، ومغالبة منازع النفس وأهوائها ..
وقوله تعالى : (وأقوم قيلا) أي أن قيام ناشئة الليل ، أكثر فائدة ، وأطيب ثمرا .. حيث يكون الإنسان مغالبا لهواه ، قاهرا سلطان نفسه ، مستعليا على حاجة جسده ، وتلك أحسن أحوال الإنسان لتقبل الخير ، والإفادة منه ..
والقيل الذي مع الرسول الكريم ، هو القرآن الكريم ، وهو أقوم قول وأعدله ، وأكمله ، فى جميع الأحوال ، والأزمان .. لا تتغير ذاتيته ، ولا تتعرض صفاته لزيادة أو نقص .. لأنه كامل فى ذاته ، لا يقبل كما له زيادة ، كما أنه لا يقبل نقصا .. لأن الكامل كمالا مطلقا ، لا يكون على هذا الوصف إلا إذا تنزه كماله عن التعرض الزيادة أو النقص ..
أمّا وصف القيل المراد به القرآن هنا ، بأنه أقوم قيلا ، أي أسدّ قولا وأنفعه ـ أما هذا الوصف ، فليس لذاتية القول ، وإنما هو للأثر الذي يحدثه