وفى هذا التصوير لاجتماع المشركين ، وتكتلهم على الوقوف فى وجه النبىّ ـ فى هذا ما يشير إلى أمور :
أولها : أن هذا المجتمع الذي يضم المشركين بعضهم إلى بعض فى مواجهة النبىّ ـ ليس له من داعية معقولة ، وإنما هو صادر عن كائنات ميتة ، لا حسّ ولا إدراك لها ، إنها تجتمع وتتفرق ، بيد من يجمعها أو يفرقها ، كما يجتمع الشعر ويتفرق فى يد من يجمعه ، أو يفرقه .. والشيطان هنا هو اليد التي تجمع هؤلاء المشركين ، أو تفرقهم حسب مشيئته فيهم ..
وثانيها : أن هذه الجموع الكثيفة المحيطة بالنبيّ من المشركين ، إنما هى على كثرتها غثاء كغثاء السيل ، وأنها لا تلبث أن تعر من وجه الحق إذا طلع عليها وضربها الضربة القاضية .. إنها كائنات من مخلفات الحياة ، ليس لها جذور تمدها بالغذاء ، وتمسك عليها الحياة .. وإنه سرعان ، ما تجف وتتطاير ، فتذهب بها الريح ، وترمى بها فى كل وجه ..
وثالثها : أن هذا اللبد المجتمع حول النبىّ ، هو أشبه باللبد المجتمع حول رقبة الأسد ، فهو شىء عارض ، لا يؤثر فى ذاتية الأسد ، وأنه يتطاير فى كل لحظة ليخلى مكانه لغيره.
ورابعها : أن هذا اللّبد المجتمع حول النبىّ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وإن كان فى هذا الوقت لبدا يشوكه ، ويؤذيه ، فإنه سيتحول عما قريب إلى لبد يحميه ، ويدفع عنه كل أذى .. وهكذا فإنه بعد سنوات قليلة اجتمع للنبىّ من هؤلاء المشركين جند الله ، المدافعون عن دينه ، والمجاهدون فى سبيله ، وهم المهاجرون ، الذين كانوا مع إخوانهم الأنصار الكتيبة الأولى حملت راية الإسلام. وركزتها في أعزّ ، وأمكن مكان ، ودافعت عنها بالأرواح والأموال ، وفدّتها بالأبناء والآباء ..