ويدع ما ليس له ، بمعنى أن يقطع مقول القول ، عن القول ، أو أداة النداء والمنادى ، عن الخاطب به ، فيقول ما أمر بقوله ، دون أن يصدره بلفظ : قل ، أو يا أيها النبىّ؟ إن المألوف فى لغة التخاطب أن يقال للإنسان مثلا : قل : «لا إله إلا الله محمد رسول الله» .. فيقول : «لا إله إلا الله محمد رسول الله» ولا يقول : «قل لا إله إلا الله محمد رسول الله» : إنه لو قال هذا لما كان ممتثلا للأمر. بل مردّدا لصدى الكلام الذي سمعه .. أفهذا كان شأن رسول الله حين لم ينقل الصورة اللفظية التي سمعها ، قولا ، ومقولا؟
والجواب ـ والله أعلم ـ من وجوه :
فأولا : هذا الأمر الموجه إلى النبىّ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ والمصدّر بلفظ «قل» هو أمر صادر إليه من الله سبحانه وتعالى ، وأن هذا الذي يوحى من الحق جل وعلا ، يملأ الوجود كله ، ويسرى فى كل ذرّة من ذرّاته ، فهو ليس مجرد قول من شخص إلى شخص ، وإنما هو من كلام ربّ العزّة ، الذي تبلغ كلماته أسماع الكون ، وتنفذ إلى أعماق كل ذرة موجودة فيه.
وثانيا : وتأسيسا على هذا .. أن النبىّ صلوات الله وسلامه عليه .. حين تبلغه كلمات ربّه ، يمتلىء بها كيانه ، وتفيض بها مشاعره ، وتلبسه هذه الكلمات كما تلبس الروح الجسد .. ومن هنا فإنه لا يستطيع أن يفصل بعضا منها عن كيانه ، كما لا يستطيع الإنسان أن يقطع بعض روحه ، لأنها سر مضمر فيه ، يجده ملء وجوده ، ولكن لا يعرف لها ذاتا ، ولا كنها ، ولعلّ هذا من بعض ما يشير إليه قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا)