فإذا كان ما يتلقاه النبىّ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من كلمات ربّه ، هو روح منه ، فهل يستطيع أن يغيّر من حقيقة الرّوح؟ : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (٨٥ : الإسراء) .. فهو سبحانه وحده ، الذي يملك أمرها ، ويملك أن يغير أو يبدّل فيها كما يشاء .. ولعل هذا بعض ما يشير إليه قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً .. لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) (١١٥ : الأنعام).
وثالثا : أن اتصال الأمر بالمأمور به فى كتاب الله ، يجعل المأمور به دائما حيّا فى حياة الناس جميعا ، ويجعل المؤمنين به فى حال حضور مع النبي ، وهو يتلقى أمر ربه .. فكلماتلا المؤمنون آية من آيات الله ، فيها خطاب من الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم ـ تمثّل لهم منها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يتلقى هذا الخطاب من ربه ، ويصدع ، بما يحمل هذا الخطاب إليه من أمر ، أو نهى .. وهذا من شأنه أن يحرك مشاعرهم إلى متابعة النبي والتأسّى به ، كلما تلوا آيات الله ، وطلع عليهم هذا المشهد الذي يرون فيه رسول الله فى مجلس التأديب ، والتعليم من ربه .. وهذا هو بعض السر فى أن كانت تلاوة القرآن ، من عبادة المؤمنين التي تعبّدهم الله تعالى بها .. كما يقول سبحانه (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (٢٠ : المزمل).
ورابعا : فى خطاب الله سبحانه وتعالى للنبىّ ، وفى خطابه سبحانه للمؤمنين ، فى القرآن الكريم ، شاهد يشهد بأن هذا القرآن هو من عند الله سبحانه وتعالى ، لفظا ومعنى ، وأنه ليس للنبى فيه كلمة واحدة ، وأنه كلام الله سبحانه وتعالى ، وأن النبي هو اللسان الذي أنطقه الله بكلماته التي أوحاها إليه ، فسمعها الناس منه دون أن يبدل حرفا منه .. فإن الذي يتلقاه النبىّ من كلمات ربّه ، هو روح تستولى عليه وتشيع فى كيانه كله.