عن الحديث إليهم ، همس إليهم همسا خافتا ، لا يكاد يسمع ، لعل كلمة عابرة تصل إلى أسماعهم من هذه النذر التي ينذرهم بها .. فهذا إعلان فى إسرار ..
وفى العطف بثم فى قوله تعالى : (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) .. فى هذا ما يشير إلى أن كل حال من تلك الأحوال كانت تستغرق وقتا طويلا ، يقف فيه نوح ، حتى يملّ الوقوف ، وحتى يستيئس من أن أحدا يسمعه .. إنه ينادى أمواتا ، ويهتف بعوالم من الجماد ..
وقوله تعالى :
* (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً).
هذا بيان لما كان يدعو نوح قومه إليه ، ويهتف فيهم به .. إنه يناديهم ، ويسرّ إليهم القول أن يستغفروا ربهم ، إنه كان غفارا ، يغفر لمن يستغفره ، ويرجع إليه تائبا نادما .. وإنهم إن فعلوا هذا رزقهم الله رزقا حسنا ، وأرسل السماء عليهم مدرارا ، أي بالمطر الكثير ، حيث تخصب الأرض ، وتكثر الثمرات والخيرات ، فحيث كان الماء ، كان الخصب والخير الكثير فى الأموال والأنفس .. ومن هذا الماء يجعل الله لهم جنات ، ويجعل لهم أنهارا دائمة الجريان ، تسقى هذه الجنات ، وتضمن لها حياة دائمة ، وخضرة محددة ، وثمرا موفورا.
والاستغفار الذي دعا نوح قومه إليه ، هو دعاه ، ولجأ إلى الله ، واستكانة إليه ، والدعاء مخّ العبادة ، لأنه لا يكون إلا عن إيمان بالله ، وثقة فيه ، وطمع