فى رحمته .. ولهذا كان دعاء عمر بن الخطاب رضى الله عنه عند الاستسقاء فى سبى الجدب ، هو الاستغفار .. فقيل له إنك لم تدع بشىء ، أي لم تطلب شيئا فى استسقائك؟ فقال : «لقد استسقيت بمجاديح السماء (١). التي بها يستنزل المطر» يعنى أنه طلب السّقيا من أوسع أبواب السماء ، بالاستغفار
قوله تعالى :
* (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً* وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً)
هو من دعوة نوح قومه ، إلى الإيمان بالله .. وهو فى هذا الاستفهام ينكر عليهم ما هم فيه من غفلة عن الله ، واستخفاف بجلاله وعظمته .. إنهم لا يوقّرون له ، ولا ينظرون إليه نظر من يرجو ثوابه ، ويخشى عقابه .. إنهم لا يعرفون الله ، ولا يقدرونه قدره!
وقوله : (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) جملة حال ، من لفظ الجلالة .. أي ما لكم لا توقرون الله ، والحال والشأن أنه قد خلقكم أطوارا .. أي خلقا من بعد خلق .. إذ كنتم نطفة فى بطون أمهاتكم ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاما ، ثم كسيت هذه العظام لحما .. ثم خرجتم من بطون أمهاتكم أطفالا .. ثم لبستم خارج أرحام أمهاتكم أطوارا من الحياة ، فتنقلتم من الطفولة إلى الصبا ، إلى الشباب ، إلى الكهولة ، إلى الشيخوخة .. وهكذا كانت يد القدرة القادرة تنتقل بكم من طور إلى طور ، وبين الطور الأول والأخير مراد فسيح لذوى الأبصار ، يرون فيه قدرة الخالق ، وعظمته وحكمته ، فتخشع الأبصار لجلاله ، وتعنوا الجباه لقدرته ..
__________________
(١) المجاديح : جمع مجدح ، وهو النوء الذي ينزل معه المطر ، على حسب تقدير العرب فى الجاهلية.