الجسد من هذا الداء ، كان من الطبيعي بعد ذلك ، أن تقوم ملكات الإنسان وحواسه بوظائفها كاملة .. فكما لا يدعى إلى حمل التكاليف والأعباء مريض ، كذلك لا يدعى إلى القربات والحسنات من هو مقيم على المعاصي ، ملازم للمنكرات .. وإن التربية الحكيمة لمثل هذا ، هو أن يطبّ له من هذا الداء المتمكن منه ، فإن هو أقلع عنه ، كان من الممكن الانتقال به من جانب المعاصي إلى حيث البر والإحسان .. ولهذا كان من مقررات الشريعة : أن دفع المضار مقدّم على جلب المصالح!!
وقوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ) ـ هو حثّ على المبادرة بطاعة الله ، والإعداد اليوم الآخر ، قبل فوات الأوان ، حين يهجم الموت على غرة أو دون إنذار سابق ، فيجد المرء نفسه وقد حضره الموت ، وفاته ما كان يراود به نفسه من طاعة الله ، ومن فعل الخير ، وعندئذ يود أن لو استأنى به الموت قليلا ، وترك له فرصة من الوقت ، يتدارك فيه ما فات ، ويصلح ما أفسد .. ولكن هيهات ، هيهات! (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٣٤ : الأعراف)
وقوله تعالى : «فأصدق» منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية ، الواقعة بعد الطلب ، وهو الرجاء المفهوم من قوله تعالى : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ؟ فَأَصَّدَّقَ) .. فلولا هنا بمعنى «هلا». وأصدق : أصله أتصدق ، قلبت التاء صادا ، وأدغمت فى الصاد ..
وأما قوله تعالى : (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) فهو مجزوم ، لأنه واقع فى حيّز جواب الشرط ، المفهوم كذلك من قوله تعالى (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) فهو بمعنى (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ ، وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ)! ..