هو استفهام إنكارى ، أي أبعد هذا الذي علمتم أو تعلمون من أمر القوم ـ أبعد هذا تسرون إليهم بالمودة؟ أي تبادلونهم المودة فى ستر وخفاء (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) .. فإنه لا يخفى على الله خافية فى الأرض ولا فى السماء : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) (١٠ : الرعد) وإن إسراركم هذه المودة لدليل على أنها أمر تنكرونه أنتم ، وينكره المؤمنون عليكم ، وإنه لو كان غير منكر لأعلنتموه .. فإخفاء هذه المودة التي بين بعض المؤمنين وبين المشركين شاهد على أنها مما يعاب على المؤمن ، ومما ينبغى ستروه وإخفاؤه ، وحسب الأمر شناعة ألا يكون له وجه يظهر به فى الناس ، فإن ظهر كان فضيحة لصاحبه!!
وقوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ)
الضمير فى «يفعله» يعود إلى هذا الإسرار المودة .. أي ومن يفعل هذا الإسرار بالمودة ، فقد ضل سواء السبيل ، لأن الإسرار بها ـ كما قلنا ـ دليل على نكرها وبشاعتها .. وإذا امتنع الإسرار بها ، فقد أصبح من المستبعد إعلانها إلّا إذا كان ذلك عن كفر صريح ، وردّة عن الإيمان .. فهذا شأن آخر غير شأن المؤمنين.
قوله تعالى :
(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)
(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) : أي يظفروا بكم ، وينتصروا عليكم ، ومنه قوله تعالى : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٥٧ الأنفال)