قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) ـ هو تعقيب على قوله تعالى : (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) ـ أي إن كان إيمانكم هذا صادقا ، وكانت هجرتكم خالصة لوجه الله ، تريدون بها جهادا فى سبيله وابتغاء مرضاته .. وفى هذا إلفات للمسلمين إلى هذا الإيمان الذي فى قلوبهم ، وإلى تمحيصه من شوائب النفاق ، حتى يكون إيمانا حقّا .. فهذا الإيمان الحق من شأنه ألا يقيم بينكم وبين أعداء الله وأعداء المؤمنين مودة .. أما إذا كان إيمانكم على غير تلك الصفة ، فهو ليس الإيمان الذي خرج به النبي والمؤمنون من ديارهم ، وليس هو الإيمان الذي يجعل من المشركين عدوا للمؤمنين .. فهل أنتم مؤمنون حقا؟ فإن كنتم مؤمنين حقا ، فلا تتخذوا عدوا الله وعدو المؤمنين أولياء.
وفى التعبير عن إخراج المشركين للنبى والمؤمنين ، بالفعل المضارع الذي يفيد تجدّد الزمن حالا بعد حال ، للإشارة إلى أن المشركين ما زالوا على موقفهم من النبي والمؤمنين ، وأنه لو عاد النبي والمؤمنون إلى ديارهم بمكة لأخرجهم المشركون منها ، بما يلاحقونهم به من أذى وضر .. كما أن المشركين لم يزل هذا موقفهم من المؤمنين الذين كانوا فى مكة ، ولم تتح لهم فرصة الهجرة لسبب أو لآخر ..
ويحوز أن يكون قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي).
يجوز أن يكون منصلا بقوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) .. ويكون ما بينهما اعتراض يراد به الكشف عن وجه أعداء الله وأعداء المؤمنين ، وما يرمون به النبي والمؤمنين من أذّى متلاحق ..
وقوله تعالى : (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ)