وقد كشف الله سبحانه للمؤمنين عن وجه هؤلاء المشركين ، وأنهم أعداء الله وأعداء الذين آمنوا .. فمن كان مؤمنا بالله حقّا كان على ولاء لله وللمؤمنين به ، الأمر الذي لا يتفق معه الولاء والمودة لأعداء الله وأعداء المؤمنين .. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) فإن من يتصف بالإيمان ، لا تبقى له هذه الصفة ، إذا هو كان على ولاء ومودة ، لمن كان عدوّا لله وعدوا للمؤمنين ، أولياء الله ..
وقوله تعالى : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) هو جملة حال من فاعل الفعل : (لا تَتَّخِذُوا) أو هو صفة لأولياء ..
والإلقاء بالمودة ، بذلها فى صورة رسائل ، أو هدايا ، أو عواطف من الحب والود ، مع بعد الشقة النفيسة ، التي ينبغى أن تكون بين المؤمنين بالله والكافرين به ، أو بعد الشقة المكانية حيث المؤمنون فى المدينة ، والمشركون فى مكة .. ولهذا عدّى الفعل بالياء ، لتصمنه معنى تبعثون إليهم بالمودة ، مع إفادته معنى السر والخفاء حيث تلقى إليهم المودة فى كلا الحالين فيتلقفونها من غير أن يراها أحد.
وقوله تعالى : (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) أي أنكم تلقون إلى عدوّ الله وعدوكم بالمودة ، فى حال قد كفر فيها هذا العدو بما جاءكم من الحق ، الذي نزل به القرآن الكريم ، وتلاه عليكم رسول الله .. بل ليس هذا فحسب ، إنهم (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) أي مع كفرهم بالحق الذي آمنتم به ـ وهذا وحده كاف لقطع كل ولاء بينكم وبينهم ، فإنهم ـ مع هذا ـ يخرجون الرسول ، ويخرجونكم من دياركم وأهليكم ؛ لا لجناية جناها الرسول أو جنيتموها أنتم عليهم ، إلا أنكم آمنتم بالله ربكم .. فتلك هى جنايتكم عند القوم .. إنهم يعادونكم لإيمانكم بالله .. فقوله تعالى : (وَإِيَّاكُمْ) معطوف على «الرسول» أي يخرجون الرسول ويخرجونكم.