وقد جاء الخطاب إلى هؤلاء المنافقين بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وذلك لإلفاتهم إلى هذا الإيمان الذي دخلوا به فى جماعة المؤمنين ، وأخذوا به مكانهم بينهم ، ثم هم فى الوقت نفسه حرب على المؤمنين ، يضمرون العداوة لهم ، ويبيتون السوء والضرّ بهم .. وهذه حال منكرة ، ينبغى أن ينكروها هم على أنفسهم قبل أن ينكرها الناس عليهم .. فإما أن يكونوا مؤمنين ، فلا يصل إلى المؤمنين منهم ما يسوء ، وإما أن يكونوا على غير الإيمان ، فيكون لهم أن يكيدوا للمؤمنين كما يكيد لهم الكفار والمشركون .. فالناس : إما مؤمنون ، وإما كافرون .. وهؤلاء ليسوا مؤمنين ، وليسوا كافرين .. إنهم مذبذبون بين ذلك .. لا إلى هؤلاء ، ولا إلى هؤلاء .. وتلك أسوأ حال يكون عليها إنسان ، حيث لا وجه له يعرف به فى الناس .. إنه الوجه المنافق الذي يلبس أكثر من وجه!.
وقوله تعالى : للمنافقين (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يحقق أمرين :
أولهما : فضح هؤلاء المنافقين عند أنفسهم ، وضبطهم متلبسين بالكيد للمؤمنين ، وهم فى زىّ الإيمان .. وهذا من شأنه أن يخزيهم عند أنفسهم ، وأن يحقر بعضهم بعضا ، حين ينظر أحدهم إلى وجه صاحبه ، فيراه مؤمنا يكيد للمؤمنين.
وثانيهما : أن نداءهم بالمؤمنين دعوة مجددة لهم إلى أن يكونوا مؤمنين حقّا ، فهم إلى هذه اللحظة محسوبون فى المؤمنين ، لم يفضحهم الله بعد ، ولم يطلع النبىّ والمؤمنين على خبيئة أنفسهم ، بل ستر الله عليهم ما هم عليه من نفاق ، وإن هذا الأمر لن يطول بهم ، فإن لم يبادروا إلى الخروج من هذا النفاق المضروب عليهم ، فضحهم الله ، فلم يكن لهم بين المؤمنين مكان!.