وفى ذكر الاسم الكريم «الرحمن» هنا ـ إشارة إلى مبلغ التقوى والخشية التي تستولى على نفس هذا المؤمن الذي يخشى ربه ، وهو يستحضر رحمته ويذكر سعة هذه الرحمة ، ومع هذا فإن ذلك ـ وإن أطمعه فى رحمة الله ـ لا يجرّئه على محاربته بالمعصية ، بل إنه فى حضور هذه الرحمة يكون أشد حبّا لربه ، ومن أحب لم يكن منه عصيان لمن امتلأ قلبه بحبه ..
وقوله تعالى : (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) ـ معطوف على قوله تعالى : (خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) .. أي كانت منه خشية للرحمن بالغيب ، وكان منه مجىء ، وعودة إلى ربه بقلب منيب ، أي راجع من شروده الذي كان متجها به إلى طريق المعصية .. فالقلب هو موطن المعتقدات الصالحة أو الفاسدة ، ومصدر التصرفات الطيبة أو الخبيثة ، كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف : «ألا وإن فى الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب)! ..
قوله تعالى :
(ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) ..
هو التفات إلى أهل الإيمان والتقوى ، هؤلاء الذين يخشون ربهم بالغيب ، ويقبلون عليه بقلوب سليمة ، منيبة ، وهو دعوة كريمة من رب كريم إليهم أن يقبلوا هذه الضيافة الكريمة التي ينزلهم فيها ، وقد جاءوا إليه سبحانه ، مسلمين تائبين.
وقوله تعالى : (بِسَلامٍ) هو حال من فاعل (ادْخُلُوها) أي أدخلوا هذه الجنة التي أزلفت لكم ، مصحوبين بسلام ، لا يمسّكم ما يسوء أبدا ..
قوله تعالى :
(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) ..