قوله تعالى :
(هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ..)
أي هذا الجزاء الكريم الطيب ، هو ما وعد الله سبحانه به الذين آمنوا وعملوا الصالحات ..
والأوّاب : مبالغة من الأوب ، وهو الرجوع ، والمراد به الرجوع إلى الله ، والاعتصام به فى كل حال ، وإضافة الأمر إليه فى السراء والضراء .. فهذا هو مقتضى الإيمان الحق بالله ، حيث يقوم من هذا الإيمان شعور قوىّ حىّ ، يصل الإنسان بربه أبدا ، فإذا كان منه انحراف مع هواه لم يلبث أن يردّه هذا الشعور إلى ربه تائبا مستغفرا ، كما يقول سبحانه. (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) .. (٢٠١ : الأعراف)
والحفيظ : مبالغة من الحفظ ، وهو حفظ الإنسان لنفسه ، وحراستها من الأهواء والضلالات التي ترد عليها .. ثم حفظ ما اؤتمن عليه من أحكام دينه ..
وقوله تعالى : (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) بدل من قوله تعالى : (أَوَّابٍ حَفِيظٍ) .. فالأوّاب إنما كان أوابا وكان حفيظا ، لأنه كان على خشية لربه ، وخوف من لقائه ، وعذابه ..
والمراد بالخشية بالغيب ، الخشية التي تكون من الإنسان فى غير حضور من وازع سلطان أو قانون ، وحيث تمكن الإنسان الفرصة من أن يفعل المنكر ، ويرتكب الفحشاء من غير أن يطلع عليه مطلع ، ولكنه يردّ نفسه عن هذا خوفا من الله ، وحياء من جلاله ..