الانتقال من الخطاب إلى الغيبة ، فيه مزيد حسرة لأهل الضلال والشرك ، وكأن هذا حديث إليهم ، وردّ على ما يغلى فى صدورهم من حسد لأهل الإيمان والتقوى ، الذين دعاهم الله سبحانه إلى جنته ورضوانه ، وأنهم إذ يحسدون المؤمنين على هذه الجنة التي أزلفت لهم فليسمعوا إذن ما يؤحج هذه النار المشتعلة فى قلوبهم من حسرة وحسد : إن هذه الجنة سيجد فيها أهلها ما يطلبون ، وما يشتهون من كل شىء ، يجدون ذلك حاضرا عتيدا بين أيديهم من غير سعى أوكد .. بل وأكثر من هذا ، فطن الله سبحانه يسوق إليهم من فضله وإحسانه ما لم يقع فى حسابهم ، وما لم يخطر على بالهم ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) بعد قوله سبحانه : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها) ..
قوله تعالى :
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ .. هَلْ مِنْ مَحِيصٍ)
عاد الحديث مرة أخرى ، ليصل ما انقطع من أخبار أهل الكفر والضلال ، وما يلقون على طريق كفرهم وضلالهم ، وما تنتهى إليه مسيرتهم التي تلقى بهم فى سواء الجحيم ..
وهذا الحديث يواجه المشركين بعد أن رأوا مشاهد القيامة ، وما فيها من عذاب ونعيم ، عذاب لأهل الكفر والفسوق والعصيان ، ونعيم لأهل الإيمان ، والطاعة والتقوى .. فلينظروا بعد هذا إلى أنفسهم ، وليأخذوا الطريق الذي يشاءون ، إلى النار إن شاءوا ، أو إلى الجنة إن أرادوا. وأنهم إن أبوا أن يتوقفوا عن مسيرتهم على طريق غيهم وضلالهم ، مغترين بقوتهم ، معتزين بمكانتهم فى أهليهم ـ فليعلموا أنهم أضعف قوة ، وأقل شأنا ممن