ما أثار عجب الكافرين من هذا القرآن المجيد ، وهو أن يجيئهم هذا القرآن على لسان رجل منهم .. فهذا ـ عندهم ـ مما يثير العجب والدهش ، ثم الإنكار ..
قوله تعالى :
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) ..
هو مما تسلط عليه اسم الإشارة ، هذا ، فى الآية السابقة .. فقولهم (هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) مشار به إلى ما سبقه من قوله تعالى : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) .. ثم هو مشاربه إلى ما بعده من قوله تعالى : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) أي أإذا متنا وكنا ترابا تعود إلينا الحياة مرة أخرى؟ (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ)! تفكره الحياة ، ولا تصدقه العقول!! فما أبعد ما بين الحياة وهذا التراب الهامد الذي غربت فيه الحياة! هكذا يقولون ، ساخرين ، مستهزئين.
قوله تعالى :
(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) ..
هو ردّ على استبعاد الكافرين لعودة الحياة إليهم مرة أخرى ، بعد أن يذوبوا فى التراب ، ويصيروا بعضا منه ..
فالله سبحانه وتعالى يعلم ما أخذت الأرض منهم ، وما أكلت من ذرّات أجسامهم ، ذرة ذرة .. فإذا أراد الله سبحانه عودة الحياة إليهم دعا هذه الذرات المتنائرة فى الأرض ، ونظم منها عقد الحياة من جديد ، كما تنظم حبّات العقد فى خيط جديد بعد أن ينقطع خيطها الذي بلى فانقطع! فهذه الذرات التي تنائرت فى الأرض ، هى محفوظة فى كتاب حفيظ ، لا يضيع منه شىء ..