قوله تعالى
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ).
هو إضراب آخر لبيان موقف الكافرين من آيات الله ، بعد أن بين الإضراب السابق موقفهم من الرسول الذي حمل إليهم هذه الآيات .. إن جنايتهم جناية غليظة مزدوجة .. فهم يتهمون الرسول الذي حمل إليهم رسالة الله ، وكلماته .. ثم دفع بهم هذا الاتهام إلى أن يخرجوا عن عقولهم ، وأن يكذّبوا هذا الحق الواضح الذي يملأ عليهم الوجود من آيات الله .. فإذا كان اتهامهم للرسول مما يجدون له عذرا عند أنفسهم ، متعللين لذلك بما يجدون فى صدورهم من حرج فى أن يستجيبوا لرجل منهم ، وأن يمتثلوا الدعوة التي يدعوهم إليها ـ فإن اتهامهم لهذا القرآن الذي يتلى عليهم ، والذي ينطق بالحق المبين الواضح ، لا يقوم له عذر ، حتى عند أنفسهم ، فهم يكذبون عن عمد ، ويذهبون مذهب الضلال على علم .. وهذا ما يجعل جرمهم أشنع الجرم وأغلظه ..
وقوله تعالى : (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ).
الأمر المريج : المختلط ، الذي يموج بعضه فى بعض ، ومنه قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) أي خلط بعضهما ببعض ، وجمع بين الملح والعذب ، فى هذه الأمواج التي تتضارب عند التقائهما .. ومنه قوله تعالى : (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) .. حيث يضطرب اللهب ويتماوج بيد الهواء الذي يسبب عملية الاحتراق.
والأمر المريج الذي فيه هؤلاء الكافرون ، هو اضطراب مقولاتهم فى الرسول الكريم ، وفى القرآن المجيد .. شأنهم فى هذا شأن كل من يركب