قوله تعالى :
(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) ..
هو إضراب عن تساؤلات تتردّد فى الوجود كله ، حين يستمع إلى هذا القسم من رب العالمين ، بكلامه المجيد .. حيث يتلفت الوجود كله إلى مواقع هذا القرآن ، وإلى المتجه الذي يتجه إليه ، وهل عرف الناس قدره؟ وهل اهتدوا بالنور الذي يطلع عليهم منه؟ .. فكان الجواب : كلّا .. (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) .. أي أن الذين جاء إليهم هذا القرآن لم يلتفتوا إليه ، ولم يأخذوا بشىء منه ، لا لشىء فى هذا القرآن ، ـ لأنهم لم ينظروا فيه أصلا ـ وإنما لأن الذي جاءهم بهذا القرآن هو رجل منهم ، فكان ذلك حجازا بينهم وبين أن ينظروا فى شىء من هذا القرآن ، وأن يستمعوا إلى ما يتلى عليهم منه ، لأن الذي يتلوه عليهم رجل منهم!! وكيف لرجل منهم أن يأخذ هذا المكان منهم ، ويقوم بالسفارة بينهم وبين الله ، ويصبح صاحب كلمة الله إليهم؟ وأين هم إذن؟ وأين أغنياؤهم وأصحاب السيادة فيهم؟ .. فلتتخطفهم العقبان ، ولتحرقهم الرجوم .. فذلك أهون عليهم من أن يسودهم سيد ، أو يقوم عليهم قيّم!! هكذا فكروا وقدروا : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ)! وأخذوا يرددون مقولات الدهش والتعجب والإنكار : (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا؟ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) (٢٥ : القمر) (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (٣١ : الزخرف) .. (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) (٧ : الفرقان).
وقوله تعالى : (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) الإشارة هنا إلى