وقوله تعالى : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) أي هذه الصفة هى صفة المسلمين التي وصفهم الله بها فى التوراة ..
والإشارة : إما أن تكون إلى جميع هذه الأوصاف ، وإما أن تكون إشارة إلى قوله تعالى : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) ..
وقوله تعالى : (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) ..
الشطء : أول ما يبدو من النبات على ظاهر الأرض ، وشاطىء الشيء ، حافته .. أي ومثل المؤمنين الذين مثّلهم الله سبحانه وتعالى به ، فى الإنجيل ، هو الزرع ، يبدأ بذرة هامدة فى الثرى ، فإذا أصابها الماء ، اهتز كيانها ، ودبّ دبيب الحياة فيها ، وأخذت بهذا الرصيد القليل من الحياة التي سرت فيها ـ أخذت تحاول جاهدة أن تصافح النور ، وأن تلتمس لها طريقا إليه ، من بين هذا الظلام المطبق عليها ، ثم سرعان ما يطلع لها لسان تتحسس به الطريق إلى النور ، وتتذوق به نسمة الحياة ، وإذ شىء أخضر صغير ، لا يكاد يرى ، يطل على الحياة فى استحياء ثم لا يلبث أن يؤازره آخر مثله ، ثم ثالث ورابع .. وهذا هو الشط ، وجمعه شطآن ..
وشيئا فشيئا تنمو هذه الشطآن ، وتعلو ، وبتخلّق لها ساق تقوم عليه ، وأوراق تكسو هذا الساق ، وفروع وأغصان ، وأزهار وثمار ، حتى يكون من ذلك نخلة باسقة ، أو دوحة عظيمة!.
وهكذا المسلمون ، بدءوا بذورا كهذه البذور التي طال حبسها عن الأرض ، حتى إذا امتدت إليها يد الزارع فغرسها فى الأرض ، وساق إليها الماء ،