قوله تعالى :
(أَمْ حَسِبَ
الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ .. ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ..
هو تهديد لهؤلاء الذين
دعوا إلى الحق ، فلم يستجيبوا ، ورفعت لهم معالم الاستبصار ، فلم يبصروا ـ فهؤلاء
لهم عذاب شديد ، على حين أن الذين آمنوا واهتدوا سيلقون من الله سبحانه ورحمة
ورضوانا .. فهذا هو ميزان الناس عند الله إنه ميزان عدل ، لا يسوى فيه بين من (اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) أي اقترفوا الآثام والمنكرات ، وبين الذين آمنوا وعملوا
الصالحات .. فهؤلاء غير أولئك ، فى الدنيا وفى الآخرة جميعا .. إنهم ليسوا سوآء
عند الله فى الدنيا أو فى الآخرة .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فى موضع آخر : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ
كَالْفُجَّارِ) (٢٨ : ص) ..
فالمؤمنون على هدى
من ربهم فى الدنيا ، وفى الآخرة ، يؤنسهم الإيمان فى الدنيا ، ويملأ قلوبهم أمنا
وطمأنينة ، وهم بهذا الإيمان يلقون ربهم فى الآخرة ، فينزلهم منازل رحمته ورضوانه.
أما الكافرون وأهل
الضلال ، فهم من كفرهم وضلالهم ، لا يجدون برد الطمأنينة فى الدنيا ، ولا ريح
الرحمة فى الآخرة .. وذلك هو الخسران المبين ..
وفى قوله تعالى : (اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) إشارة إلى أن اقتراف السيئات ، لا يكون إلا بجرح فضيلة من
الفضائل ، وبعدوان على حق من الحقوق ..