وغضبه ، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ، وأقامهم فى هذه الدنيا مقاما مضطربا قلقا ، لا يجدون فيه إلى الأمن والسلام سبيلا ، إذ قطّعهم فى الأرض أمما ، وسلّط عليهم الناس فى كل مجتمع يعيشون فيه ، كما يقول سبحانه : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) (١٦٧ : الأعراف).
فهذا التفضيل الذي فضّل الله به بنى إسرائيل ، هو ابتلاء لهم ، كشف عن نفوسهم الخبيثة ، وطباعهم الشرسة ، كما يكشف الغيث المنزّل من السماء عن معدن الأرض السبخة التي يصيبها الماء الغدق ، فإذا هى بعد قليل قد أصبحت مستنقعا آسنا متعفنا ، يؤذى كل من يلم به ..
ففى هذا المثل ، يرى المشركون عاقبة من يكفر بنعم الله ، ويمكر بآياته .. وها هم أولاء بين يدى نعم الله وآياته .. فماذا هم فاعلون؟ أيكفرون ويمكرون ، فيلقوا جزاء الكافرين .. الماكرين .. أم يشكرون ويؤمنون ، فيكون لهم جزاء الشاكرين المؤمنين؟ ذلك ما تكشف عنه التجربة التي لم يخرجوا منها بعد ..
قوله تعالى :
(وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ..
هو معطوف على قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ...) أي وآتيناهم كذلك بينات من الأمر ..
والبينات : هى المعجزات التي تكشف لهم الطريق إلى الأمر الذي يدعون إليه ، ويؤمرون باتباعه ، وهو دين الله وشريعته ..