قوله تعالى :
(فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
هو من تحدّيات المشركين المنكرين للبعث ، لمن يحدثونهم عن البعث ، ويدعونهم إلى الإيمان .. إنهم يؤكدون أنه لا موت إلا الموتة الأولى ، التي تنهى حياتهم تلك ، ثم لا حياة ولا موت بعد هذا .. ثم إن لهم على هذا شهودا من الواقع .. فهؤلاء آباؤهم الذين أودعوهم القبور ، لم يعد أحد منهم. فإن كان الذين يقولون بالبعث على يقين من هذا القول ، فليأتوا على هذا ببرهان ، وذلك بأن يجيئوا لهم بآبائهم هؤلاء الذين ذهبوا .. فإذا لم يرجع هؤلاء الذين ذهبوا ، فكيف يرجعون هم إذا ذهبوا؟ ذلك منطقهم الذي جعل البعث عندهم أبعد من أن يتصوّر ..
إنهم كانوا يؤمنون بأن لهذا الوجود ربّا قائما عليه ، هو الذي خلقه ، وهو الذي يدبر أمره ، وإن كان هذا الإيمان قد اختلط بشوائب كثيرة أو قلبلة من الأهواء الفاسدة ..
ولكن الشيء الذي لا يتصورونه ، ولا يصدقون به ، هو البعث .. وهو الداء الذي أفسد عليهم إيمانهم بالله ، وأقامهم فى هذه الدنيا مقاما قلقا مضطربا ، بتهددهم فيه الفناء الأبدى المطلّ عليهم من كل وجه ..
وهذا قسّ ، بن ساعدة الإيادى ، من حكماء العرب ، وخطبائهم المعدودين وقد نسب إليه أنه كثيرا ما كان يخطب فى الناس فيقول :
«إن فى السماء لعبرا ، وإن فى الأرض لخبرا .. سماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، .. البعرة تدلّ على البعير ، والأثر يدلّ على المسير ..»