ولكنه سبحانه وتعالى ، لم يشأ ذلك فيهم ، وترك لهم مجال النظر ، والاختيار ، والتحرك من الكفر إلى الإيمان ، إن شاءوا .. فمشيئتهم مطلقة عاملة ، غير معطلة ، وبهذا لا تكون لهم على الله حجة.
وهذا يعنى أن الخطاب هنا ـ وهو لجماعة المشركين ـ يشير إلى أن فيهم من سيتحولون من حالهم تلك ، ويخرجون من هذا الظلام ، ويلحقون بالمؤمنين ، ويدخلون فى دين الله .. فالفرصة لا تزال فى أيديهم ، لن تفلت منهم بعد .. وإن السعيد منهم من سبق ، وأخذ مكانه على طريق الإيمان ، قبل أن تفلت الفرصة من يده
قوله تعالى :
* (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ .. أَفَلا يَعْقِلُونَ)
مناسبة هذه الآية لما قبلها ، هى أن الآيتين السابقتين ، حملتا مع هذا التهديد الذي حملته إلى المشركين ، دعوة إلى المبادرة إلى الإيمان بالله ، واستباق الزمن قبل أن يفوت الأوان ..
وهنا فى هذه الآية ، دعوة أخرى إلى المبادرة واستباق الزمن .. حيث أنه كلما طال الزمن بهم لم يزدهم طول الزمن إلا نقصا فى الخلق ، وإلا ضعفا فى التفكير ، حيث يأخذ الإنسان عند مرحلة من مراحل العمر فى العودة إلى الوراء ، وفى الانحدار شيئا فشيئا ، حتى يعود كما بدأ ، طفلا فى مشاعره ، وخيالاته ، وصور تفكيره ..
فالزمن بالنسبة لهؤلاء المشركين ، ليس فى صالحهم ، وأنهم وقد بلغوا مرحلة الرجولة الكاملة ، لا ينتظرون إلا أن ينقصوا لا أن يزدادوا ، وعيا وإدراكا ، وأنهم إذا لم تهدهم عقولهم إلى الإيمان بهذا الكتاب الذي بين أيديهم فلن يهتدوا بعد هذا أبدا ، بل سيزدادون ضلالا إلى ضلال ، وعمى إلى عمى ..